( العشب المحروق (
لا تبتأسي لهذا الشريدِ خليّ الأفراح
فالسحاب الكثيف غطّى كل مقلتيهِ،
و الضوءُ مسافرٌ بين غبش الوجوهِ
لا الريحُ تكفي عصاها كي تُريهِ
ما انفرطَ من عِقدِ الطريق البراحِ،
و لا المطر ذو الثوبِ الطويل المُموه.
هو يحملُ رأسهُ و يخرجُ كل صباح
تتساقطُ الأفكارُ شلالاً يكسو مَراميهِ
و يثيرَ ملحاً كامناً باليقظةِ مولّه،
و يخفقُ في كبد السماء دون جناح.
هل كان هذا الحزن المجنون يشتهيهِ
منذ الأبد و هو الذي بقافيةِ الألم مفوّه؟
لو تردّنا الأيامُ و يندملُ نزفُ الجراح
لو تكونين كاملةً لمّا تخطرينَ و تعترينَه
لكنكِ تأبينَ إلا التواري بكنفِ كبرٍ مُنزّه
و الكلامُ بيننا بابٌ مسجّى يفتقدُ لمفتاح.
ليسَ عشباً محروقاً فأنتِ لا بدّ تتعرفينه
إذا عادتْ لتوّها خُطاكِ تبحثُ عن خطاه
و تسترقُ الشمَّ لمألوفِ عَبقٍ ساخنٍ فوّاح
و تمسحُ عن زجاجِ الكأسِ رضاباً لشفاه
و تجمعُ ما تناثرَ من ضمّة وردٍ تعشقينه.
سائليها حين يضمُّ اليومُ نهاراً مُتعباً نوّاح
و تسقطُ ستائرُ النوافذِ مهيضةً خائرة القوّه
قولي لها أي شيءٍ تريدينهُ أو لا تريدينهُ
ثمّة بياضٌ بعد .. لم يطالهُ قبحٌ مشوّه
و قمرٌ مبتورٌ في المرآة .. يودُّ لو يلوِّح
و غزلٌ كثيرٌ أربيّهِ على مهلٍ قد تشتاقينه.
داعبي لها نمشاً كنتُ أحبهُ على الصبَاح
و قواماً ناحلاً بمشيِّها تشبهُ غُصن فُلّه
و ذقناً خفيفاً يرتجُّ كبحرٍ بلا مينا ..
حاوريها بعزمِ الحصانِ الأصيلِ لو نوى
أن يميزَ العشبَ المحروقَ من يدِّ الفلاح.
No comments:
Post a Comment