Monday, April 2, 2012

النسيان

 

Don__t_Forget_Me__Sketch__by_Chibi_Celestia

عليَّ أن أعبّأ الزجاجة بالماء و التأكدُ من انسداد أنبوبة الغاز جيداً ، ثم أنقادُ بهدوء إلى السرير . لا شيء مهم اعتدتُ فعله قبل أن أخلُدَ للنوم و ذلك منذُ أن أضحيتُ من جديد وحيدة . امرأة ً عزباء مرة ً أخرى ن أقومُ بتسيير شؤون حياتي بمفردي . بإختصار أنا امرأةٌ مُطلقة . طلّقني هو في مطلع شهر نيسان ، و لما بُحتُ بذلك إلى زميلاتي في الشُغل ، وجمنَ هنيّة ثم بدأنَ بالضحك ، و استغربنَ من أنني صِرتُ أختلقُ الأكاذيبَ فجأة ً ، مع أنني لا أفعلها .. لا أفعلها 
! 
خلعتْ خُفّها الدافىء و انسحبتْ بكامل جسدها تدريجيّاً فوق السرير ، الذي أصدرَ صريراً مُتكسّراً بدوره ، لكنها ما لبثتْ أن اعتدلتْ ثانيّة ً و نهضتْ لتُغلِقَ النافذة القريبة . كان شهر كانون الأول قد شارفَ على نهايته ، و الطقس البارد يعدُ بالمزيد من المطر . و هي لا تقوى على احتمال البرد . منذ أن كانت صغيرة و أمها تصبُ عليها الماء و هي بالطشتْ لتستحم ، بدأتْ ترهبُ الماء البارد .و عندما صارتْ في المدرسة ، كانتْ تركضُ تحت المطر مُسرعة و رفيقاتها في الفصل يضحكنَ عليها و يسخرنَ منها . حتى عندما كانت برفقته هو ، و هما يترددا على الحديقة العامة ، كانت تتوخى المرور بقرب رشّاش المياه ، لأنه ببساطة يُذّكرها بالمطر



ما ألذَّ هذا الإحساس ! ، عندما أدِّسُ ساقيَّ المُنهكتين في اللحاف ، أشعرُ بالحرارة تسري إلى جسدي ، تسكنُ نفسي و أنا ألفُّ اللحاف حولي . أفرشُ شعري على الوسادة ، و أظلُّ محملقة ً قليلاً في السقف . و إن حالفني الحظ ، فإن النوم يغلبني و لا يدعني عزلاء بمواجهة خواطري ، مجردة ً من كل سلاح ٍ إلا الندم . و لما طرقتُ باب الطبيبة و شرحتُ لها عمّا آلتْ إليه حالتي النفسيّة . ألقتْ عليَّ محاضرة ً طويلة أسفرتْ إلى أنه لا يتوجب عليَّ النظر إلى الماضي و أن لا أستسلمَ للندم ، فالحياة كما تراءتْ لي في ابتسامة ٍ ارتسمتْ على شفتيّها لا زالتْ جميلة . لكن الماضي هو .. و هو الماضي .. آه يا ليتهُ يترك الماضي وحيداً و يأتيّ إليّ أنا الوحيدة ، فعندئذ ٍ أستجمعُ قواي و أصعدُ فوق جروحي لكي لا أندم . فهو معي ، لكنه لا يأتي .. لا يأتي 


أغمضتْ عينيّها مُطلقة ً تنهيدة صغيرة ، ثم رفعتْ كفّها من تحت اللحاف و مررّتهُ أمام عينيّها . كانت قد أصيبتْ برضّة أثناء سيرها في الشارع العمومي ، إذ سقطتْ لأن الشارع حينئذ ٍ كان مُبتلاً زَلِقاً ، و فردتيّ حذائها الجديد لم يفلحا في تفادي الوقوع . و هكذا تلّقتْ كفُّها اليمنى عاقبة اختلال توازنها و انكفاء جام الثِقل فوقها . فأحسّتْ وقتذاك بالدموع تصعدُ إلى حلقها ، لكن السماء بدتْ مُكفهرّة أكثر من أي وقت ٍ مضى ، و أوشكتْ أن تستغرقَ بالهطول . و هي تخافُ المطر ، فسحبتْ كفّها المتوجٍّعة و مضتْ مسرعة ً في الطريق 

لماذا استيقظُ الآن ؟ ، يخيّلُ لي أنها قرابة الثالثة صباحاً . أفّ .. إنه الأرق و هذا الرأس الذي لا يهدأ أبداً فالليلُ موعدُ مخاضه المعتاد ، تتوالدُ فيه الأحلام و يجتمعُ شملُ الشتات اليوميّ ، فينزلقُ الحلمُ بدائيّاً بِكراً لا يمسّهُ أحدٌ إلايّ .. و ياليتَهُ هو ، ذاك الخائن يرتدُ طاهراً كالحلم لم تمسسهُ أخرى ، مثلي و كالحلم . لكنني وحيدة .. وحيدة ، فهل الأحلامُ تكونُ وحيدة ؟


ميّزتْ مقاعداً و ركاباً ، فأيقنتْ لمّا خرجتْ من الحُلم أنها كانت داخل مركبة عموميّة و على الأرجح أنها حافلة . و الذي تذكرهُ أيضاً ، أن الجابي ذكرَ لها أن الأجرة ناقصة ، و لم يكن هنالك بُدّ من أن تمدَّ كفّها كرّة ً أخرى إلى محفظتها و تفتّشَ فيها عن قطعة نقود ٍ تاهتْ عنها أول الأمر . و عندما لم تجدّ احمرّتْ وجنتاها خجلاً و لم تدر ِ ماذا تقول . إلا أن كفّاً رجاليّة ارتفعتْ موفيّة ً باقي المبلغ ، حدستْ أنها تعرفها جيداً على الرغم من أنها لم تسمع صوت المنقِذ الشهم ، و لم يتسع وقتُها كي تلتفتْ لأنها سمعتْ زخّ المطر على الزجاج ، و انقطعَ الحُلم على مشهد الماء و هو يغسلُ النوافذ و العالم


كلما فكرتُ أنني كنتُ زوجة في بداية هذا العام و أصبحتُ مُطلّقة في نهايته ، راودتني غصّة و فقدتُ صوابي . مالذي حدثَ بالضبط ؟ ، لكأنهما زمانيّن منفصليّن لا يربطهما غيرُ أوراق رزنامة على الجِدار . و لم ينقض ِ وقتٌ طويل حتى سمعتُ عن نيّته بالزواج ، و أنه فتّش و دقّ أبواباً كثيرة إلى أن وقعَ اختياره و بعثَ لي دعوة الزفاف بغير خجل كأن بي صديقة قديمة له . و في فورة غضبي - و أنا الذي أمّلتُ أن يعود إلى البيت ، البيت الذي استأجرَ غيره و شطبَ عنوانه من دفتر ِ حاضره و لم تعدْ خطاهُ تدوّسُ عتبته - أرسلتُ إليه بباقي أغراضه و خاصّتِه . القدّاحة و القلم الحِبر ، زجاجة العِطر و البذلات التي لم يأخذها معه ، ساعة يد كان قد أهداها إليّ في عيد زواجنا الأول .. كل شيء ، سوى البيت الذي سُجِّلَ بإسمي فيما بعد . و إنني أسألُ نفسي مُلّحة مفتشّة ًفي داخلي مِراراً ، مُقلَّبة ً الخاطر تلو الخاطر ، و أنا أحتسي القهوة في الكافتيريا ، أو عندما يطالعني وجهُ زميل يلوحُ ملقيّاً عليّ تحية الصباح .. و أكبتُ الألم في سريرتي ممسكة ً بتلابيب الدمعة قبل أن تفلتَ و تهرب فوق خدي فاضحة ً حُزني أمام الآخرين . و ليس لي إلا أخٌ واحد بعد وفاة ِ الوالدين يكفيه ِ ما فيه ، تتنازعهُ مشاغل الأسرة ، و يركض ليل نهار و لا يلحق ركب الكفاية . 
و هكذا بقيتُ وحيدة 

دسّتْ رأسها في محاولة ٍ يائسة منها لنداء النوم ، و اقتفاء أثر ذلك الحُلم لو حالفها الحظّ . يا تُرى ؟ ، هل يكونُ هو الذي في الحلم ؟ ، ذلك المُنقِذ الشهم

 

No comments:

Post a Comment