بمنديلكِ هذا .
بعدَكِ تاريخُ يُتم ٍ ، و قبلُكِ لا شيء .
تَعدمُ ذاكرتي ، إن لم تكن شَمسُكِ أنتِ
مَنْ يُضيء .
كالبذرةِ شببتُ في عروقكِ شُعلةً صغيرة ،
فأنعمتِ عليّ متلطِّفةً بأولِ عناوين السيرةِ
الذاتية ، فصرتُ و الفخرُ يجاوزني ، أكثر
من محضِ شيء .
العالمُ لا يرحم . لكنّكِ يا أمي عالمٌ من الرحمةِ
و الفيء . ثقوبُ الأرضِ تناديني للموتِ ،
قبورٌ لا يُشبِهنَ رَحمكِ سوى بالعتمةِ .
إذْ هناكَ بين جنبيكِ تعلمتُ النمو
و السطو على ما يدخُل جوفكِ من غذاء .
أسمعُ صوتكِ بذاكرتي ، ينهمرُ كمطرِ السماءْ :
تناديني ، تواسيني ، تناغيني ، و تحميني .
هاتَ لي موسيقى تفوقُ روعتها صوتَ الرواء ؟
حينَ الرضاع ، و الثديُ قِربة دافئة بالحليبِ و الدماء .
قالتْ لي تزوَّج ، لأجل أن تجعلَ من فتاةٍ أمّاً ،
فتنضو الطيشَ و ترتدي الحِكمة و تجدَ أطفالاً ينفخونَ
عليها ، مع مرّ السنين ، فلا تنطفىء الشمعة .
و يَحضرني مرةً طلبتِ مني أن أرسمكِ على ورقة .
لُذت بسريري كاملَ اليوم طفلاً هائماً على وجههِ ،
مشقوقَ الجبهةِ بغُرّةٍ زهرّاء .
و في المساءِ كشفتِ أني تخيّلتُكِ صومعةً
للقمحِ شامخة ً .. و كفيّكِ صاعْ .
هبيني قوسَ عصافير ٍ لوّحَ للفضولِ
أشرعة ً . أو نبتة ً منسيّة ً على حجر ٍ
مُخضّبْ ، امتصَّ رحيقَ قدميكِ الزاكيتين
ثم انتصَبْ . و قد يصيرُ مستقبلَ الغضَبْ .
و قد يبقى للأبد مُلقى في مكانهِ
من أثرِ التعَبْ .
رأسي فوقَ صدرُكِ أشمُّ للغابةِ ريحاً
و أتحسسهُا سوداءَ خشنة ترزِّمُها
الضفائر .
و لسوفَ ألعقُ دموعي التي عَلِقتْ
بثنايا ثوبَكِ المغسولِ طُهراً ،
لعلّي بمنديلكِ هذا المُشرشَبْ
يكفيني أن لا أكونَ صِفراً .
21 – مارس - 2014