Friday, September 13, 2013

أول طريق

 

 

 

sketch-11

عبرتِ مخيّلتي . ذبّلتُ عيني كي أنسى

كي أذبَّ عن نظريّ غَباشاً كحومةِ الذُباب ..

كنتُ في جِلستي رجلاً مُرتاحاً أعمى .

خالَ السعادة بإيقادِ الشمعِ الذي ذابْ ،

فتراكمَ و تعاظمَ و تصاعدَ المبنى .

رفعتُ صفحة وجهي من صفحةِ الكتابْ

تذكرتُ تقاطيعكِ الضائعةَ هُنيهةً ،

كتقاسيمِ أغنيةٍ كدمِ النازفِ المُصاب .

تطابقتْ رموشي الخَدِرة الوسنى ،

عِشتُ غيبوبةً أُريدها و اخترتُ الغيابْ .

لن أدعوكِ منذ الآن حبيبتي الأنقى ،

فلا أخفيكِ تلوّثتُ و أضعتُ الصوابْ .

تشبّعتُ بالأحاسيسِ و ما أسرعَ ما تفنى .

لو أن دمعةً مُضيئة انثالتْ في لحظةِ انتِحابْ !

لذرفتُها على نفسي العائشة في منفى ..

و غَابْ .

 

أنثرُ في الذِكرى ما ضاعَ من سنين

و ما أذاقني من صورِ العذاب تفَانين .

هو الشوقُ يدفعُني و يسلبني تردد الخائفين ،

ألا لو كنتُ أقربَ إليكِ ، إذن لعرفتِ تتصورين

كيفَ يشحذُ أنفاسهُ ذاكِرُ الحبِّ على حدِّ سكين ،

و كيفَ يكتمُ أنفاسهُ ، عبثاً ، جَسدٌ عاشَ بين الجثامين .

فالجسدُ قبرُ المُتحدِّثِ لا يخطؤهُ نظرُ عين ..

و أولُ الحدود ، تتحرشُ بإرتحلاتهِ طفولةُ الحالمين .

و صفعةٌ تؤلِمُ و تورثً لوناً أحمراً كاليقطين ..

فلا تسألي عن سرٍ فيهِ أنتِ تشهدين و تحكُمين ،

إذْ الدمُ ربما قرصةٌ أو نسمةٌ جرحتْ تفاحةً في الخديْن .

و انهارَ على إثرها طوفانُ حُسن ٍ و حساسين ..

هذا ما يتبقى من الحُبِ بعدَ أن تذهبين .

هذا ، بعدَ أن تكتسحي ميداناً فيهِ رجالٌ مُهانين .

ثم تدعيّنَ البساطةَ ، و يقفزُ فلقتا قمر ٍ فوقَ العينين ،

و يحلِّقان في صباحٍ خُلَّبٍ و رمشين مُطهميّنْ .

يخذلني عدمُ فهمٍ و استهجانٌ ضدّكِ يا مَنْ تكذبين ،

يا رسمةَ الملاك ، و أنتِ للربِ تَسجدين ..

بصوفيّةِ الفنّان و خلالَ أصابعهِ تكبُرين .

تخطيِّنَ المسافةَ بين مكانيْن ، و هناكَ تصبحينَ

سيدةً للوقتِ و عرّافةً ، أختاً للمجانين ..

 

غائراً في رِحاب الفضاء قمرٌ اكتملْ

يجاري الشموس فيصنعُ دورةَ الأجلْ .

يستنيرُ وجههُ بضياءٍ يُشبهُ ألَقهُ الغَزل ،

عبرَ جلاءٍ فسيحٍ تتوهُ فيهِ المُقَلْ .

و أسيرُ أشدُّ بيدي حَبلَ الحَمل ،

و كلبٌ يعوي ورائي ، خَبرَ المَنزِلَ و المُرتحل .

و غابةٌ في البعيدِ سامقةٌ أصابها الشَلل ،

تلوحُ كليلٍ في ليلٍ مُتربَصةً بالخوفِ و الوجَلْ ،

صريرُ زيزانِها و غيلانها و جُعلانها يَصِلْ ،

روحٌ بريحٍ تُقلِّبُ الكائنَ المُنتحَلْ ..

 

للقمةِ الخُبزِ هِمتُ في براري الإنصياعْ

حَبّاً من ذَرورِ الأرض أجمعها صاعاً فصاعْ ،

بحجمِ عُقلة الإصبع و مُقلةِ العينِ و في نفسي مَشاعْ .

و لولا وعداً منذُ أعوامٍ خَلتْ ، لقلتُ مُضاعْ

أن يصرخَ الراعي في وادي الرِعاعْ ..

أيُ خذلانٍ يهزُّ شمسي

عند إطباقِ رمشي حينَ يلتقي الشُعاعْ .

و قبلَ أن أرسمَ موجةً على شطِّ رِمال ،

كادَ أن يكتملَ شكلُ القِلاعْ ..

فضيّةً تلمعُ توزِّعُ في الجِهات الشمائلْ .

و على استقامةِ الطريقِ تتحاذى منازلْ ..

ثم يفرقُ الشارعُ الأسودُ مثلَ الجدائِل .

و ينطلقُ صمتُكَ حافٍ يحملُ وجهكَ بلا قِناع ..

فلتسقطْ عنكَ السلاسلْ ،

و اكتئابُ الحقلِ اليافع .

 

 

هلا افتكرتِ وقفةً بيننا على عطفةِ الدَرجْ ،

لامستْ فيها يدي يدُكِ و تخادشتْ أصابع ..

عند بِركة صمتي و ذاكرتي الآن لا تؤلمني ،

أحجارٌ في القاعِ اجتمعتْ من الأماني ،

سجّلتُ فوقها أبجديتي الأولى و طقوسَ حُبكِ و الأغاني .

اختلفتْ أفوافُ زهرِ اللوز و المعاني ،

فالغصنُ في صدرِ الشجرةِ رمحٌ مُخادِعْ ،

و بِركةُ الأسرارِ مَرتعٌ للضفادع ..

 

الرُعاةُ يركبونَ متونَ الجداولْ ،

داسوا وشوشات الماء بالصنادِل ،

حينما عبروا بقربي و قد أخبروني

أن في الحربِ القادمة ستُحال الضفادعْ ..

في أيديهم قنابلْ .

إذاً اصعدْ يا قمرُ سلّةَ السماء رغيفاً يوجُّ ،

اخترتُكَ أنتَ قُرباناً و ساعي رسائِلْ ..

 

مطروداً من جنّتِها طَفِقتُ ألملِمُ عُرييّ ،

أجمعُ مُزقاً بخيطٍ من لحمي و شَعري .

أضمرُ لها حُبّاً و أنا أجري ..

بعيداً عنها أكتمُ في قلبي سِريّ ،

عاضّاً على شفتي بما نلتهُ من نَشوةِ الظَفرِ ،

ثَمِلاً بدموعي ، تَحفِرُ خدودي كالنَهرِ .

حقاً الوقتُ في ساعتي منذُ سنتينِ لم يَسِرْ ،

أَسِفتُ للحظةٍ قالوا فيها تَزوَجتْ و ألهجوا بالخَبر ،

سرّوا لأجلكِ إلا أنا ، فقد شَرعتُ بعدها في هِجرةِ الصَبر .

كم صارَ الآنَ عُمري ، هل كَبِرتُ و جاوزتُ مرحلةَ الصِغرِ ،

أم أبقى مرهوناً للأبدِ بينَ خُذلاني و كَسري ؟ .

 

و أجدُني أنسى جفوناً مَعقودةً بالسحرِ ،

رموشاً تهتزُّ كالوترِ ،

فراشاً يَبرِقُ على الخَصرِ .

فلا كانَ يُخامِرني ،

مَشيُّكِ مع هزيجِ الناسِ مرشوشةً بالعِطرِ ،

دوسيّ على ورقِ الوَردِ و ضُوءِ القَمرِ .

و لكِ أن تَسخري ..

فالمسافةُ بين المُدرِّسِ و المُهندسْ ،

هي ذاتُها بين الكوخِ و القَصرِ .

و لكِ أن تَعظي ..

فأنا شيطانٌ أوسوِسْ .

 

أرتجي ما لا يُرتجى

أن أفتحَ قبضتي المضمومةَ

فلا يفنى النَدى ..

أن أستردَ دموعاً ذرفتُها

في ميعة الصِبا .

أن أخلو إليكِ في ساعة رضا

و أنالَ الحظوةَ و المَنزِلْ .

و قد كنتِ جميلةً كفايةً وقتها ،

عندما تأملّتُكِ في مرايا المَحلْ

و رأيتُ دمي في كأسِ العصير

كأنما زيِّدَ إليهِ ماءُ الحَللْ ..

و شَهِدتُ جَسدكِ النَحيل يرتخي ،

غَريباً عني ، و كانَ بصحبتكِ رَجُل .

وَضعتُ كفي على الطاولة لأتبينَ الخَللْ ،

كيفَ نَزلَ الحُبُ في قلبي ..

و كيفَ رَحلْ ؟